تشكل فكرة إنشاء عملة موحدة لمجموعة “بريكس” خطوة جوهرية نحو إحداث تحول في النظام المالي العالمي، بما تحمله من وعود بتقليل الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي وتخفيف تعرض الاقتصادات لتقلبات العملة الأمريكية والسياسات النقدية الأمريكية.
ومن المتوقع أن تعزز هذه العملة التبادل التجاري والاستثمارات بين دول “بريكس”، وتزيد من سيولة الأسواق المالية، ما يسهم في دعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى جانب تخفيض تكاليف التحويلات المالية، مما يرفع كفاءة المعاملات بين الدول الأعضاء.
ومع أن العملة الموحدة قد تصبح بديلًا للدولار في تسوية المعاملات التجارية الدولية، تظل هناك تحديات كبرى، مثل التباين بين أحجام اقتصادات دول “بريكس” ومستويات تنميتها، إلى جانب التنسيق المطلوب في السياسات النقدية. وبالرغم من التحديات، فإن العملة الجديدة تعد بمزيد من الفرص للنمو الاقتصادي، وتفتح أسواقًا جديدة للاستثمارات، تنعكس بشكل إيجابي على الدول الأعضاء.
قال الخبير الاقتصادي هاني أبوالفتوح إن فكرة إنشاء عملة موحدة لمجموعة “بريكس” خطوة تحولية في النظام المالي العالمي، تحمل في طياتها آفاقًا واعدة وتحديات كبيرة منها تخفيف الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، مما يقلل من تعرض الاقتصادات إلى تقلبات العملة الأمريكية والسياسات النقدية الأمريكية. وستحفز العملة الموحدة على زيادة التبادلات التجارية والاستثمارات بين دول “بريكس”، مما يدعم النمو الاقتصادي في هذه الدول. و ستؤدي إلى توسيع نطاق الأسواق المالية في دول “بريكس”، مما يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وستقلل من تكاليف التحويلات المالية بين دول “بريكس”، مما يعزز الكفاءة الاقتصادية.
وأضاف ربما تكون الفائدة الأهم في المستقبل أن عملة “بريكس” قد تصبح بديلاً جذابًا للدولار الأمريكي في تسوية المعاملات التجارية الدولية، خاصة بين الدول الأعضاء.
ولفت إلى هناك بعض التحديات التي قد تواجه عملة بريكس بسبب الاختلافات الكبيرة في حجم اقتصاداتها ومستويات تنميتها، مما يتطلب آليات مرنة لإدارة عملة موحدة، مع صعوبة تحقيق تنسيق كامل بين السياسات النقدية للدول الأعضاء، مما قد يؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف، وقد تواجه عملة “بريكس” مقاومة من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي تسعى للحفاظ على هيمنة الدولار الأمريكي.
ولقت ٱلى أنه من فواىد بريكس أنها ستؤدي إلى زيادة السيولة في الأسواق المالية المحلية للدول الأعضاء، مما يدعم النمو الاقتصادي. وقد يجذب انتشار العملة الجديدة المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الأسواق المحلية.
وقال محمد الشيمي الخبير المصرفي بأن العالم يتجه نحو التكتلات الاقتصادية، معربًا عن أهمية تجمع “بريكس” في مواجهة الفجوات الاقتصادية بين الدول. وأكد الشيمي أن هناك فجوة واضحة بين الصادرات والواردات، وكذلك بين الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والادخار.
وأضاف الشيمي أن فكرة عملة “بريكس” لن تقضي على الدولار ولكن سياتي ذلك تدريجيا، من خلال تقليل الطلب عليه، مما يحد من الهيمنة الاقتصادية الأمريكية. وأوضح أن التعامل بين دول “بريكس” قد يتم بداية باستخدام العملات المحلية بشكل مؤقت، أو حتى مع إصدار العملة الموحدة، سيساهم في تقليل العجز الدولاري وزيادة المرونة الاقتصادية.
و أشار الشيمي إلى المزايا التجارية والجمركية والضريبية التي ستنشأ من هذا التكتل، موضحًا أن دول مثل الصين قد تقوم بفتح مصانع في الدول الأعضاء، مما سيعزز فرص العمل والإنتاج، ويساعد في سد عجز الواردات. وأكد أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب إنتاج سلع عالية الجودة، بحيث تكون قادرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة من خارج دول “بريكس”.
وشدد الشيمي على أن وجود عملة “بريكس” سيكون خطوة لاحقة لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن النجاح في هذا المجال يعتمد على جودة السلع التي ستنتجها دول التجمع وحجم الدول التي ستنضم إليه لاحقًا.
وأكد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي بين الصادرات والواردات سيساعد في تعزيز قوة “بريكس” مقابل العملات الأخرى، مما قد يمهد الطريق للتقليل التدريجي من الاعتماد على الدولار.
أكد الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي إن عملة “بريكس” التي فاجأ بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم خلال اجتماعات قمة بريكس الـ 16، قد تؤثر بشكل ملحوظ عالميا ومحليا، وستواجه فرصًا وتحديات تستحق النظر، فعلى المستوى الدولي يمكن أن تساهم العملة الجديدة في تقليل هيمنة الدولار على التجارة العالمية، خصوصًا إذا تمكنت “بريكس” من بناء نظام مدفوعات بديل يشجع على استخدام العملة الجديدة. هذا التحول يمكن أن يعزز تنوع الأصول الاحتياطية في البنوك المركزية ويقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وأضاف أنه على المستوى المحلي بالنسبة لمصر، قد يفتح استخدام عملة “بريكس” بابًا لتخفيف الضغوط على الدولار وتقليل تأثير تقلبات سعر صرفه على الاقتصاد. كما أن اعتماد العملة الجديدة في تسوية التبادلات التجارية يمكن أن يساعد في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية بمصر.
واشار إلى أن التعامل بالعملة قد يساعد على تخفيف الاعتماد على الدولار، مما يدعم تحسين الوضع المالي بشكل عام إذا تم تبني العملة كوسيلة للدفع في المعاملات التجارية والاستثمارية.
وأشار إلى أن العملة الجديدة يمكن أن تشجع على توسيع التبادل التجاري مع الدول الأعضاء، ما يعزز من فرص الوصول لأسواق جديدة، ويساعد استخدام عملة “بريكس” الدول على تخفيف الضغوط الناتجة عن تقلبات أسعار الدولار، مما يساهم في تحسين الاستقرار المالي. وايضا تدعم العملة المشتركة مشاريع التنمية المشتركة بين الدول الأعضاء وتسهيل التمويل وتبادل الاستثمارات.
ولفت إلى أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه العملة الحديدة منها الثقة وقبول العملة التي تحتاج لوقت وجهود كبيرة، خاصة في ظل هيمنة الدولار والأسواق المرتبطة به. بالإضافة إلى تأثير العوامل السياسية والاقتصادية على دول بريكس يمكن أن يؤثر على استقرار العملة وقيمتها. وتحتاج الدول لتطوير بنية تحتية مالية وتقنية قوية لدعم التعامل بالعملة الجديدة وتسهيل استخدامها في التجارة الدولية، فضلا عن ضرورة وجود تنسيق فى السياسات الاقتصادية وتحديداً النقدية منها.
ولفت إلى أن المؤسسات المالية والبنوك قد تبدأ بالاهتمام بعملة “بريكس” إذا أثبتت قوتها واستقرارها مع الوقت. واعتماد العملة في التعاملات الدولية يتطلب خططًا واضحة لدعم السيولة، وتنظيم الأسواق المالية، وتوفير خدمات مصرفية متكاملة. إذا تم توفير هذه المقومات، قد تصبح “بريكس” خيارًا جذابًا للمصارف والشركات.
أكد الخبير المصرفي وليد عادل أن الهدف من عملة “بريكس” هو تعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل حركة التجارة بين هذه الدول بعيدًا عن الاعتماد على الدولار الأمريكي أو اليورو. ويشير إلى أن هناك عدة عوامل دفعت هذه الدول إلى السعي لإطلاق نظام مالي جديد، منها الرغبة في تحقيق استقرار اقتصادي أكبر والحد من التقلبات في الأسواق العالمية، وكذلك تقليل الهيمنة المالية التي تفرضها العملات الغربية.
وأشار عادل إلى أن عملة “بريكس” ليست عملة تقليدية مطبوعة مثل الدولار أو اليورو، بل هي فكرة تهدف إلى إنشاء نظام مالي بديل يركز على تيسير المعاملات التجارية بين دول “بريكس”. ويمكن أن تكون هذه الفكرة في شكل عملة رقمية أو نظام مقايضة يعتمد على تكنولوجيا البلوكشين، مما سيتيح حركة أموال سريعة وآمنة بين الدول الأعضاء.
وحول كيفية التعامل بعملة “بريكس” بين دول التجمع، أوضح عادل أن هناك عدة خيارات يمكن اتباعها حسب البنية المتفق عليها. وأبرز الاحتمالات تشمل: نظام تجاري متعدد العملات، حيث يتم استخدام العملات المحلية للدول في التحويل إلى وحدة حساب مشتركة تستند إلى سلة من عملات دول “بريكس”، أو إطلاق عملة رقمية مشتركة بين دول “بريكس”، مما يسهل المعاملات عبر الحدود باستخدام تقنية البلوكشين التي توفر مستويات عالية من الأمان والشفافية، أو من خلال اعتماد نظام خاص لتسوية المدفوعات بين البنوك المركزية للدول الأعضاء، مما يسهل حركة الأموال والتجارة باستخدام عملة “بريكس”.
ويرى عادل أن الاستخدام المبدئي لعملة “بريكس” قد يقتصر على دول التجمع بهدف تعزيز فعالية السياسات النقدية والمالية بينها، وتعميق العلاقات الاقتصادية. ولكنه أشار إلى أنه في حال نجاح العملة أو النظام المالي الجديد، قد يمتد استخدامها ليشمل دولًا أخرى أو شركاء تجاريين يسعون إلى تقليل اعتمادهم على الدولار الأمريكي.
وعدّد عادل بعض الفوائد التي يمكن أن تحققها عملة “بريكس” لدول التجمع، ومنها تقليل الاعتماد على الدولار مما يحرر اقتصادات الدول الأعضاء من التقلبات الحادة المرتبطة بسياسات الولايات المتحدة النقدية، وتعزيز السيادة الاقتصادية إذ سيمكن هذه الدول من تنظيم سياساتها المالية والنقدية بشكل مستقل وأكثر مرونة، وتشجيع التجارة البينية، حيث ستبسط العملة عمليات التبادل التجاري، مما يعزز التفاعل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
وأشار عادل إلى أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه تطبيق عملة “بريكس”، وأبرزها التنفيذ، إذ يحتاج نجاح هذه العملة إلى توافق سياسي واقتصادي بين الدول الأعضاء، وهو أمر معقد نظرًا لاختلاف السياسات الداخلية لكل دولة، وأيضاً ضرورة ضمان التكنولوجيا والأمان، حيث يجب أن يتمتع النظام المالي الجديد بقدرة عالية على حماية المعاملات من الهجمات السيبرانية، إلى جانب تحدي القبول العالمي وإقناع المجتمع الدولي بموثوقية العملة الجديدة وجعلها مقبولة خارج حدود دول “بريكس”.
وشدد بأن عملة “بريكس”، سواء كفكرة أو كوحدة حساب، تمثل تحديًا وفرصة لدول التجمع لتأسيس نظام اقتصادي متكامل ومستقل نسبيًا عن القوى الاقتصادية التقليدية. وشدد على أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على القدرة على تطبيق تقنيات حديثة وإيجاد توافق بين الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، مما قد يتطلب سنوات من التعاون المستمر والابتكار لتحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي المنشود.