في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن تقنيات الجيل الخامس (5G) لم تعد مجرد تحسين في سرعة الإنترنت، بل تمثل تحولًا في كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا في جميع القطاعات، وخاصة في القطاع الصحي.
الجيل الخامس يُوفّر سرعة عالية جدًا، وزمن استجابة منخفض (Ultra-low latency)، وقدرة على توصيل عدد ضخم من الأجهزة في نفس الوقت، وهي مواصفات تُعد ضرورية لتشغيل أنظمة ذكية معقدة مثل إنترنت الأشياء (IoT)، وتحليل البيانات الفوري، والتطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
في مصر، ورغم التقدم في البنية التحتية الرقمية، لا تزال هناك فجوة بين الإمكانيات التقنية المتاحة عالميًا، والاحتياجات المحلية الفعلية. لذلك، فإن التعامل مع 5G لا يجب أن يكون بهدف اللحاق بالتطور فقط، بل لاستخدامه في حل مشاكل حقيقية وتقديم خدمات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
5G والقطاع الصحي: نموذج مهم للانطلاق
من بين القطاعات التي يمكن أن تستفيد بوضوح من تقنيات الجيل الخامس، يأتي القطاع الصحي في مقدمة الأولويات.
من خلال دمج 5G مع إنترنت الأشياء، يمكن تحقيق نتائج ملموسة:
• مراقبة الحالات الحرجة عن بُعد بدقة عالية وفي الزمن الحقيقي.
• تحسين إدارة الأجهزة والمعدات داخل المستشفيات، من خلال أنظمة تتبع ذكية.
• دعم الخدمات الصحية المنزلية، حيث يمكن للمرضى تلقي رعاية مستمرة من منازلهم، دون الحاجة للانتقال للمستشفى.
مثل هذه التطبيقات أصبحت واقعية في عدد من الدول، ولكن تنفيذها في مصر يتطلب بنية تحتية مستقرة، وتعاونًا بين القطاعات، وتوافر مزودين متخصصين في هذا المجال.
لماذا نحتاج إلى مشغّلين متخصصين في القطاعات (Vertical IoT Operators)؟
أحد التحديات الرئيسية في نشر تقنيات مثل 5G وIoT في مصر هو غياب التركيز القطاعي. شركات الاتصالات توفر الخدمات للجميع، لكن الواقع يقول إن كل قطاع له احتياجات مختلفة، وبالتالي فإن الحلول العامة لا تكون فعالة دائمًا.
لهذا، من الضروري التفكير في إنشاء مزودين متخصصين لكل قطاع، مثل:
• مزود متخصص في IoT الطبي، يقدم حلولًا للمستشفيات والعيادات.
• مزود لخدمات IoT الزراعي، يساعد في الري الذكي وتحليل حالة التربة.
• مزود للمدن الذكية، يتعامل مع المرور، الطاقة، وإدارة المرافق.
وجود هذا النوع من المشغلين سيُساعد في تسريع نشر الخدمات، وتحسين الجودة، وتقديم قيمة مضافة حقيقية للمستخدم النهائي.
خطوات عملية لمستقبل رقمي واقعي
التحول الرقمي الحقيقي لا يكون فقط عبر استيراد التكنولوجيا، بل من خلال:
• تطوير التشريعات التي تسهّل التعاون بين القطاعين العام والخاص.
• تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في الحلول الذكية.
• تدريب الكوادر البشرية، خاصة في القطاع الصحي، على التعامل مع الأنظمة الحديثة.
• دعم التجارب الميدانية (pilot projects) في المحافظات المختلفة، كوسيلة لقياس التأثير الحقيقي.
الجيل الخامس ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق نقلة نوعية في الخدمات المقدّمة للمواطنين. وإذا بدأنا من احتياجاتنا الحقيقية، مثل الرعاية الصحية، وبنينا عليها بشراكات ذكية وبنية تحتية مرنة، يمكن أن يتحول 5G من مجرد تقنية جديدة إلى قيمة مضافة لمستقبل مصر الرقمي.
بقلم : م. حسن السكري
خبير الصحة الرقمية
