عاجل

الجيل الخامس في مصر: تكنولوجيا بلا تطبيقات… وخدمة بلا مستخدمين (تقرير تحليلي)

قراءة: محمد لطفي

675 مليون دولار هو الرقم الصحيح لما دفعته شركات المحمول الأربعة في مصر مقابل الحصول على تراخيص الجيل الخامس في مصر بدأتها الشركة المصرية للاتصالات في ديسمبر 2023 وتبعتها باقي الشركات (اورنج ، فودافون، إي آند) وفقا لترتيب توقيع الاتفاقيات في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمقر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في السابع من أكتوبر 2024 ومع اقتراب الإعلان عنه رسميا وفقا لمصادر مطلعه يوم 19 مايو الجاري .

ومع تصاعد الحديث عن شبكات الجيل الخامس (5G) في مصر، وتباري الشركات بالإعلان أنها أصبحت مستعدة لبدء التشغيل ورغم عدم اعطاء الحكومة ممثلة في وزارة الاتصالات والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات باعطاء إشارة البدء في انطلاق خدمات الجيل الخامس في مصر التي عددت الشركات -وفقا لبيان صحفي لشركة فودافون مصر- مميزات الجيل الخامس في أنه سيساعد في توفير سرعات فائقة تتيح للمستخدمين الاستمتاع بالأفلام والبرامج والألعاب المفضلة بسرعة ودون أي تأخير أو انقطاع. هذه السرعات الهائلة ستغير تماماً تجربة استخدام الإنترنت في مصر، حيث يمكن تحميل المحتوى بشكل فوري تقريباً. في الوقت نفسه، تتميز تكنولوجيا الجيل الخامس بزمن استجابة أقل بكثير من الأجيال السابقة، مما يوفر استجابة شبه فورية للأوامر والتطبيقات، وهو ما يُعد خبراً ساراً لعشاق الألعاب الإلكترونية والتطبيقات التفاعلية التي تتطلب سرعة استجابة عالية.

من ناحية أخرى توفر تكنولوجيا الجيل الخامس -وفقا لفودافون ايضا- اتصالاً أكثر استقراراً، مما يضمن تجربة بث مباشر ومكالمات فيديو دون انقطاع، وهو ما سيحدث تغييراً جذرياً في جودة الاتصالات والمؤتمرات المرئية، بالإضافة لكفاءة أعلى تساهم في تحسين الأداء وزيادة استيعاب الشبكة، بالإضافة إلى دعم وتطوير تطبيقات إنترنت الأشياء (IoT) لخدمة قطاعات الصحة والصناعة، والتعليم، والنقل، وغيرها. كما تساهم تكنولوجيا الجيل الخامس في تعزيز حلول المدن الذكية والابتكار، وتوفير تجربة محسّنة للواقع المعزز (AR) والافتراضي (VR) لمستقبل رقمي أكثر تفاعلية.

وعلى مستوى شركة اورنج اطلق المهندس ياسر شاكر الرئيس التنفيذي للشركة تصريحاته بأن الشركة باتت قاب قوسين أو أدنى من انطلاق الخدمة وحدد شهر مايو الحالي موعدًا للانطلاق مؤكدًا استعداد الشركة لذلك.

أما على مستوى اي اند مصر و المصرية للاتصالات فقد صامت الشركتان عن إبداء اي تصريحات مكتفية بالتصريحات السابقة طيلة الفترة الماضية بأنها ستقدم الخدمة على اعلى مستوى احترافي ، ومع تأكيد شركة اي اند مصر انها خصصت هذا العام استثمارات 18 مليار جنيه لتحديث بنيتها التحتية وكذلك باقي الشركات التي رصدت ارقام متفاوتة وربما تكون متقاربة يظل السؤال الذي يطل براسه علينا هل ستتحسن جودة الخدمات المقدمة للعملاء الذي بلغ اجماليهم 110 مليون مشترك ؟!

إذا عدنا إلى نقطة أكثر أهمية إذا كان الجيل الخامس في ظاهرة الرحمة إلا أنه في باطنة العذاب إذا تطرقنا في الحديث عن عيوب تقنيات الجيل الخامس نجدها على سبيل العد لا الحصر تتمثل في :

  1. ضعف التغطية وصعوبة الانتشار الجغرافي

تعتمد 5G على ترددات عالية المدى (مثل mmWave) لا تنتقل جيدًا عبر الجدران أو المسافات الطويلة لذلك تحتاج إلى عدد هائل من الأبراج الصغيرة (Small Cells) لتغطية المناطق، مما يجعل الانتشار مكلفًا.

  1. تكاليف مرتفعة للبنية التحتية

يتطلب نشر 5G تحديثًا شاملاً لمعدات الشبكة ومحطات الإرسال، وهو استثمار باهظ قد لا يعود بعوائد ملموسة على المدى القريب  لشركات الاتصالات في مصر وقد يؤدي إلى رفع أسعار الباقات للمستخدم النهائي أو تقليص الاستثمار في تحسين الشبكات الأخرى (مثل 4G وFiber).

  1. استهلاك أعلى للطاقة

أجهزة إرسال الجيل الخامس والمحطات الطرفية تستهلك طاقة أكبر من مثيلاتها في الجيل الرابع، ما يشكل عبئًا بيئيًا وتكاليف تشغيلية مرتفعة.

  1. قلة التطبيقات الجماهيرية

لا توجد حتى الآن تطبيقات يومية واسعة الانتشار تتطلب 5G ما يجعل الكثير من المستخدمين يرون أنها “ترف تكنولوجي” دون فائدة حقيقية. معظم التطبيقات الحالية تعمل بكفاءة على 4G (مثل يوتيوب، نتفليكس، واتساب).

5. انخفاض أداء البطارية في الهواتف

تدعم بعض الهواتف 5G ولكن على حساب استهلاك البطارية، حيث أن الاتصال بشبكة 5G يستنزف الطاقة بسرعة أكبر من 4G.

الإسراع والتروي

هناك سؤال آخر يطل براسه هل نسرع في الاعلان عن تشغيل الجيل الخامس ام نتروى بعض الوقت؟

لاشك أن الغالبية العظمى من المستخدمين في مصر يعتمدون على تطبيقات لا تحتاج أكثر من الجيل الرابع مثل واتساب، يوتيوب، تيك توك حتى فيديوهات 4K   تعمل بكفاءة على شبكات الجيل الرابع ، مما يجعل السرعات العالية في الجيل الخامس  غير ضرورية للمستخدم العادي حاليًا.

مما لاشك فيه أن كثير من مناطق الجمهورية لا تزال تعاني من ضعف في تغطية أو جودة شبكة 4G  لذلك بات من الافضل توجيه الاستثمارات لتحسين 4G أولًا قبل التوسع في 5G، حتى لا تتسع الفجوة الرقمية.

تكاليف ضخمة على الدولة والشركات والمستهلك

لاشك أن نشر شبكة الجيل الخامس يحتاج إلى استثمارات ضخمة في الأبراج والبنية التحتية، وهو عبء كبير في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط أيضًا، أجهزة  المحمول التي تدعم الجيل الخامس مرتفعة السعر، ولن تكون في متناول معظم المواطنين في الوقت الحالي.

 نقص في التطبيقات الصناعية الجاهزة

الاستخدامات الكبرى لـ 5G تكون في الصناعة والطب والنقل الذكي، وهي قطاعات لم تُعد بعد في مصر بشكل كافٍ لتستفيد من 5G

 خطر زيادة الفجوة بين المدن والريف

إطلاق  5G مبكرًا في المدن فقط قد يفاقم الفجوة في جودة الاتصالات مع المناطق الريفية التي لا تزال تعاني من سوء الخدمات.

واقع  5G عالميًا: دروس وعبر

رغم إطلاق خدمات 5G  في العديد من الدول المتقدمة منذ أكثر من أربع سنوات، فإن الأرقام تشير إلى أن المستخدم العادي لم يُظهر حاجة ماسة لهذه التكنولوجيا مقارنة بالجيل الرابع (4G)، وهو ما أدى إلى تباطؤ كبير في معدلات الاشتراك والنمو التجاري.

في بعض الدول الأوروبية والآسيوية:

  • لا يزال 70-80% من المستخدمين يعتمدون على الجيل الرابع  بسبب عدم وجود فروق جوهرية في تجربة الاستخدام اليومية.
  • لم تظهر حتى الآن تطبيقات جماهيرية تفرض استخدام 5G  على نطاق واسع، مثلما كان الحال مع الفيديو عبر تقنية 4G .

في مصر الامر مختلف فالطلب الجماهيري غير الناضج

  • السوق المصري لا يزال في مرحلة متوسطة من الاستفادة الكاملة من خدمات  الجيل الرابع باعتراف المسئولين.
  • متوسط استهلاك البيانات للفرد أقل بكثير من نظرائه في الأسواق المتقدمة.
  • المستخدمون يركزون على استقرار الخدمة وأسعار الباقات، وليس السرعات القصوى فقط.

الاستثمار الضخم مقابل عائد غير مضمون

  • نشر شبكات  5G يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، من محطات جديدة ومعدات ذات مواصفات عالية هذه التكاليف قد لا يقابلها عائد تجاري فوري في ظل ضعف الإقبال على الخدمة- وفقا لتصريحات شركات المحمول واكبر دليل على ذلك عدم سعيهم وراء الحصول على التراخيص فور طرحها- .

  محدودية التطبيقات العملية لدى الأفراد

  • معظم التطبيقات المستخدمة حاليًا (فيديو، ألعاب، تواصل اجتماعي) تعمل بكفاءة على 4G.
  • تقنيات مثل الواقع المعزز، القيادة الذاتية، وإنترنت الأشياء الصناعي، لا تزال بعيدة عن التطبيق الواسع في البيئة المصرية.

 ضغط على أسعار الباقات دون قيمة مضافة

  • تقديم 5G دون محتوى أو خدمات جديدة يعني مزيدًا من الضغط على التسعير والباقات، مما يؤثر على الربحية.

لذلك بات من الأفضل ، العمل على التركيز على تحسين جودة شبكات الجيل الرابع   في جميع أنحاء الجمهورية، خاصة في المناطق الريفية والحدودية ، إطلاق  الجيل الخامس تدريجيًا في المناطق الصناعية والتجارية التي قد تستفيد من تقنيات مثل إنترنت الأشياء والشبكات الخاصة ، الاتجاه نحو الاستثمار في التوعية والتجارب التطبيقية قبل التوسع الجماهيري في تقديم الخدمة ، الاهتمام بالشراكة مع القطاعات الصناعية والحكومية لتطوير حالات استخدام حقيقية للجيل الخامس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى